فصل: البلاغة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.الإعراب:

{أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تُتْرَكُوا} أم منقطعة وسيأتي حكمها، وحسبتم فعل وفاعل وأن وما في حيزها سدت مسد مفعولي حسبتم والمعنى: إنكم لا تتركون على ما أنتم عليه حتى يتبين المخلص منكم {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جاهَدُوا مِنْكُمْ} الواو للحال ولما حرف جازم تفيد التوقع ويعلم مجزوم بها واللّه فاعل والذين مفعول به وجملة جاهدوا صلة ومنكم حال.
{وَلَمْ يَتَّخِذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَلا رَسُولِهِ وَلَا الْمُؤْمِنِينَ وَلِيجَةً} الواو عاطفة ولم حرف نفي وقلب وجزم ويتخذوا مضارع مجزوم بلم ومن دون اللّه متعلقان بيتخذوا ولا رسوله عطف على اللّه ووليجة مفعول به.
{وَاللَّهُ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ} تقدم إعرابها كثيرا.
{ما كانَ لِلْمُشْرِكِينَ أَنْ يَعْمُرُوا مَساجِدَ اللَّهِ} ما نافية و{شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفر}
الفوتلة أي أن ما قبلها وما بعدها لا يستغنى بأحدهما عن الآخر وتسمى معادلة لمعادلتها للهمزة في إفادة التسوية إن كانت الهمزة التي قبلها للتسوية. نحو قوله تعالى في سورة المنافقون: {سواء عليهم أستغفرت لهم أم لم تستغفر لهم} أو كانت لطلب التعيين نحو: أفي الدار زيد أم عمرو.
2- منقطعة وهي مسبوقة بالخبر المحض نحو قوله تعالى: {تنزيل الكتاب لا ريب فيه من رب العالمين أم يقولون افتراه} ومسبوقة بالهمزة التي تفيد معنى آخر غير الاستفهام كالإنكار مثل: {ألهم أرجل يمشون بها أم لهم أيد يبطشون بها} فهي بمثابة النفي، ومعنى {أم} المنقطعة التي لا يفارقها الإضراب.
3- أن تقع زائدة ذكره أبو زيد وقال في قوله تعالى: {أفلا تبصرون أم أنا خير} إن التقدير أفلا تبصرون أنا بخير.
4- أن تكون للتعريف في لسان حمير وطيء.
أمثلة شعرية لأم:
وما أدري وسوف أخال أدري ** أقوم آل حصن أم نساء

فهنا وقعت متصلة وتقدمت عليها همزة الاستفهام وهي لغير التسوية.
ولست أبالي بعد فقدي مالكا ** أموتي ناء أم هو الآن واقع

فهنا وقعت متصلة بعد همزة التسوية.
أحاد أم سداس في أحاد ** لييلتنا المنوطة بالتناد

يحتمل أن تكون أم متصلة ومنقطعة.

.[سورة التوبة: الآيات 18- 22]

{إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ وَلَمْ يَخْشَ إِلاَّ اللَّهَ فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ (18) أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ (19) الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ (20) يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ (21) خالِدِينَ فِيها أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ (22)}

.الإعراب:

{إِنَّما يَعْمُرُ مَساجِدَ اللَّهِ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَأَقامَ الصَّلاةَ وَآتَى الزَّكاةَ} إنما كافة ومكفوفة ويعمر مساجد اللّه فعل مضارع ومفعول به مقدم والمراد بعمارتها رمّ ما استرمّ منها، وتنظيفها وتنويرها وتعظيمها وتأثيثها بالرياش الفاخر المقتنى، ومن اسم موصول فاعل يعمر وجملة آمن صلة وما بعده عطف عليه وإعرابه ظاهر.
{وَلَمْ يَخْشَ إِلَّا اللَّهَ} الواو عاطفة ولم حرف نفي وقلب وجزم ويخش مجزوم بلم والفاعل مستتر يعود على من آمن وإلا أداة حصر ولفظ الجلالة مفعول به.
{فَعَسى أُولئِكَ أَنْ يَكُونُوا مِنَ الْمُهْتَدِينَ} الفاء الفصيحة وعسى فعل ماض من أفعال الرجاء وأولئك اسمها وأن يكونوا خبرها ومن المهتدين خبر يكونوا، أي فحال هؤلاء الموصوفين بالصفات الأربع مرجوة والعاقبة عند اللّه معلومة.
{أَجَعَلْتُمْ سِقايَةَ الْحاجِّ وَعِمارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ} جملة مستأنفة مسوقة لخطاب المشركين على طريق الالتفات عن الغيبة في قوله: {ما كان للمشركين أن يعمروا مساجد اللّه} والهمزة للاستفهام الإنكاري التوبيخي وجعلتم سقاية الحاج فعل وفاعل ومفعول به أول وعمارة المسجد الحرام عطف على سقاية الحاج والكاف اسم بمعنى مثل مفعول به ثان ومن مضاف اليه وجملة آمن صلة ولابد من حذف مضاف إما من الأول وإما من الثاني ليتصادق المجعولان والتقدير:
أجعلتم أهل سقاية الحاج وعمارة المسجد الحرام كمن آمن أو أجعلتم السقاية والعمارة كإيمان من آمن أو كعمل من آمن.
{وَجاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} عطف على آمن.
{لا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} استئناف مؤكد لإبطال المساواة أي لا يستوي الفريقان.
واللّه مبتدأ وجملة لا يهدي القوم الظالمين خبر، وقد أورد التعليل لنفي المساواة في المعنى.
{الَّذِينَ آمَنُوا وَهاجَرُوا وَجاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ} كلام مستأنف مسوق لتقرير حالة الموصوفين بهذه الأوصاف الثلاثة المذكورة، والذين مبتدأ وآمنوا صلة وما بعده عطف عليه وأعظم خبر ودرجة تمييز وعند اللّه الظرف حال.
{وَأُولئِكَ هُمُ الْفائِزُونَ} مبتدأ وخبر وهم ضمير فصل أو مبتدأ ثان وقد تقدم نظيره.
{يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوانٍ وَجَنَّاتٍ} يبشرهم ربهم فعل مضارع ومفعول به وفاعل وبرحمة جار ومجرور متعلقان بيبشرهم ومنه صفة وبرضوان وجنات معطوفان على رحمة.
{لَهُمْ فِيها نَعِيمٌ مُقِيمٌ} لهم خبر مقدم وفيها حال ونعيم مبتدأ مؤخر ومقيم صفة {خالِدِينَ فِيها أَبَدًا} خالدين حال مقدرة وفيها متعلقان بخالدين وأبدا ظرف متعلق بخالدين أيضا.
{إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ} إن واسمها والظرف خبر مقدم وأجر مبتدأ مؤخر وعظيم صفة والجملة الاسمية خبر ان.

.البلاغة:

في هذه الآيات فنون من البلاغة نوردها فيما يلي:
أولا- التشبيه الصناعي وأغراضه:
1- التشبيه الذي خرج به الكلام مخرج الإنكار في قوله تعالى: {أجعلتم سقاية الحاج وعمارة البيت الحرام كمن آمن باللّه واليوم الآخر} فهذا إنكار على من جعل حرمة الجهاد كحرمة من آمن باللّه واليوم الآخر وفي ذلك أوفى دلالة على تعظيم حال المؤمن بالإيمان وأنه لا يساوى به مخلوق ليس على صفته وهو أحد أغراض التشبيه الصناعي.
2- إخراج الأغمض إلى الأظهر بالتشبيه والى ما تقع عليه الحاسة كقوله تعالى: {والذين كفروا أعمالهم كسراب بقيعة يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئا} وسيأتي مزيد من الكلام على هذه الآية.
3- ومنها إخراج ما لم تجربه العادة إلى ما جرت به العادة كقوله تعالى: {وإذ نتقنا الجبل فوقهم كأنه ظلة}.
4- ومنها إخراج ما لا يعلم بالبديهة إلى ما يعلم بالبديهة كقوله تعالى: {وجنة عرضها السماوات والأرض}.
5- منها إخراج ما لا قوة له في الصفة إلى ما له قوة في الصفة كقوله تعالى: {وله الجوار المنشآت في البحر كالأعلام}.
6- ومنها بيان إمكان المشبه وذلك حين يسند اليه أمر مستغرب لا تزول غرابته إلا بذكر شبيه له كقول البحتري:
دان إلى أيد العفاة وشاسع ** عن كل ندّ في الندى وضريب

كالبدر أفرط في العلو وضوءه ** للعصبة السّارين جد قريب

فقد وصف البحتري ممدوحه في البيت الأول بأنه قريب للمحتاجين، بعيد المنزلة، بينه وبين نظرائه في الكرم بون شاسع، ولكن البحتري حينما أحس بأنه وصف ممدوحه بوصفين متضادين هما: القرب والبعد. أراد أن يبين لك أن ذلك ممكن وأن ليس في الأمر تناقض، فشبه ممدوحه بالبدر الذي هو في السماء ولكن ضوءه قريب جدا للسائرين بالليل.
7- ومنها بيان حاله وذلك حينما يكون المشبه غير معروف الصفة قبل التشبيه فيفيده التشبيه الوصف كقول النابغة:
كأنك شمس والملوك كواكب ** إذا طلعت لم يبد منهنّ كوكب

فقد شبه النابغة ممدوحه بالشمس وشبه غيره من الملوك بالكواكب، لأن سطوة الممدوح تغض من سطوة كل ملك كما تخفي الشمس الكواكب، فهو يريد أن يبين حال الممدوح وحال غيره من الملوك.
8- ومنها تقرير حاله وذلك إذا كان المشبه معروف الصفة قبل التشبيه معرفة إجمالية، وكان التشبيه يبين مقدار هذه الصفة، كقوله تعالى: {والذين يدعون من دونه لا يستجيبون لهم بشيء إلا كباسط كفيه إلى الماء ليبلغ فاه وما هو ببالغه} فقد تحدثت الآية في شأن من يعبدون الأوثان وأنهم إذا دعوا آلهتهم لا يستجيبون لهم، ولا يرجع إليهم هذا الدعاء بفائدة، وقد أراد اللّه تعالى أن يقرر هذه الحال ويثبتها في الأذهان، فشبه هؤلاء الوثنيين بمن يبسط كفيه إلى الماء ليشرب فلا يصل الماء إلى فمه بالبداهة، لأنه يخرج من خلال أصابعه ما دامت كفاه مبسوطتين، ويأتي هذا الغرض حينما يكون المشبه أمرا معنويا لأن النفس لا تجزم بالمعنويات جزمها بالحسيات فهي في حاجة دائمة إلى الاقناع.
9- تزيين المشبه كقول أبي الحسن الأنباري في مصلوب:
مددت يديك نحوهم احتفاء ** كمدهما إليهم بالهبات

وهذا البيت من قصيدة نالت شهرة بعيدة في الأدب العربي لا لشيء إلا لأنها حسنت ما أجمع الناس على قبحه والاشمئزاز منه وهو الصلب، فهو يشبه مد ذراعي المصلوب على الخشبة والناس حوله بمدّ ذراعيه بالعطاء للسائلين أيام حياته، والغرض من هذا التشبيه التزيين، وأكثر ما يكون هذا النوع في المديح والرثاء والفخر ووصف ما تميل اليه النفوس.
10- تقبيح المشبه كقول أحد الأعراب في ذم امرأته:
وتفتح لا كانت فما لو رأيته ** توهمته بابا من النار يفتح

فهو يدعو على امرأته بالحرمان من الوجود فيقول لا كانت ويشبه فمها حينما تفتحه بباب من أبواب جهنم، والغرض من هذا التشبيه التقبيح، وأكثر ما يستعمل في الهجاء ووصف ما تنفر منه النفوس، ومنه قول المتنبي:
وإذا أشار محدثا فكأنه ** قرد يقهقه أو عجوز تلطم

هذا وسيأتي المزيد من بحث التشبيه فيما يأتي.
ثانيا- اللف والنشر:
في قوله تعالى: {يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات لهم فيها نعيم مقيم} بعد أن وصف المؤمنين بثلاث صفات وهي: الايمان والهجرة والجهاد بالنفس والمال، فبدأ بالرحمة في مقابلة الايمان لتوقفها عليه وثنى بالرضوان الذي هو نهاية الإحسان في مقابلة الجهاد الذي فيه بذل الأنفس والأموال، ثم ثلث بالجنات في مقابلة الهجرة وترك الأوطان، إشارة إلى أنهم لما آثروا تركها بدلهم دارا عظيمة دائمة وهي الجنات وهذا فنّ طريف عرّفوه: بأنه ذكر متعدد على وجه التفصيل أو الإجمال، ثم ذكر ما لكل واحد من المتعدد من غير تعيين، ثقة بأن السامع يميز ما لكل واحد منها ثم يرده إلى ما هو له، أما قسم التفصيل فهو ضربان:
أ- أن يكون النشر على ترتيب اللف، بأن يكون الأول من المتعدد في النشر للأول من المتعدد في اللف والثاني للثاني وهكذا إلى الآخر.
قال أحدهم:
ومقرطق يغني النديم بوجهه ** عن كأسه الملأى وعن إبريقه

فعل المدام ولونها ومذاقها ** في مقلتيه ووجنتيه وريقه

وكالآية التي نحن بصددها.
ب- أن يكون النشر على غير ترتيب اللف كقول أبي فراس:
وشادن قال لي لما رأى سقمي ** وضعف جسمي والدمع الذي انسجما

أخذت دمعك من خدي وجسمك ** من خصري وسقمك من طرفي الذي سقما

وأما قسم الإجمال فهو أن تلف الشيئين في الذكر ثم تتبعهما كلاما مشتملا على متعلق بأحدهما ومتعلق بآخر من غير تعيين كقوله تعالى: {وقالوا لن يدخل الجنة إلا من كان هودا أو نصارى} فذكر الفريقين على طريق الإجمال دون التفصيل ثم ذكر ما لكل منهما، فالمتعدد المذكور اجمالا هو الفريقان أو قولهما، والأصل: قالت اليهود لن يدخل الجنة إلا من كان هودا، وقالت النصارى لن يدخل الجنة إلا من كان نصارى، فلف بينهما لعدم الالتباس وللثقة بأن السامع يرد إلى كل فريق قوله.
ثالثا: تنكير المبشر به وهو قوله: {يبشرهم ربهم برحمة منه ورضوان وجنات} لوقوعه وراء صفة الواصف وتعريف المعرف.